سورة الشورى - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


فما أُوتيتم: فما اعطيتم. كبائر الإثم: كل ما يوجب حدّا. الفواحش: كل ما عظُم قبحه من السيئات. استجابوا: اجابوا داعي الله. الشورى: المشاورة في الأمور. البغي: الظلم. ينتصرون: ينتقمون لانفسهم. ما عليهم من سبيل: ما عليهم عقاب. لمن عَزْمِ الأمور: لمن الأمور الحسنة المشكورة.
يذكّر الله تعالى الناس بأن لا يغترّوا بهذه الحياة الدنيا، فكل ما فيها من متاع ولذة ومال وبنين لهو قليلٌ جدا بالنسبة لما أعدّه الله للمؤمنين عنده من نعيم الجنة الدائم للذين يتوكلون على ربهم، ويبتعدون عن ارتكاب الكبائر.
{وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ}
والذين يتحكمون في أعصابهم عند الغضب، ويملِكون أنفسهم، ويغفرون لمن أساء اليهم.
ومن صفات هؤلاء المؤمنين أيضا انهم يُجيبون ربّهم إلى ما دعاهم اليه، ويقيمون الصلاة في اوقاتها على اكمل وجوهها.
{وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ}
وهذا دستور عظيم في الاسلام، فهو يوجب ان يكون الحكْم مبنياً على التشاور. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يشاور أصحابه الكرام في كثير من الأمور، وكان الصحابة الكرام يتشاورون فيما بينهم. ومثلُ ذلك قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} [آل عمران: 159]. قال الحسن البصري: (ما تشاور قوم الا هُدوا لأرشدِ أمرهم). وقال ابن العربي: (الشورى ألفة للجماعة، وصِقال للعقول، وسببٌ إلى الصواب، وما تشاور قوم قط الا هدوا). ومن صفات هؤلاء المؤمنين البذلُ والعطاء بسخاء {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}. ومن صفات المؤمنين الصادقين أيضاً: {والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ}
الذين إذا بغى عليهم أحد ينتصرون لأنفسهم ممن ظلمهم.
ثم بين الله تعالى ان ذلك الانتصار للأنفس مقيَّد بالمِثْل: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}
فالزيادة ظلم، والتساوي هو العدل الذي قامت به السمواتُ والأرض.
ثم بين الله ان من الافضل العفو والتسامح فقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين}. ومثل هذا قوله تعالى: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237]، ومثله أيضا {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل: 126]، إلى آياتٍ كثيرة وأحاديثَ تحثّ على الصبر والعفو. وهذا سبيل الاسلام.
ثم بين الله تعالى أن الإنسان إذا انتصر لنفسه ممن ظَلَمه فلا سبيلَ عليه، لكن اللوم والمؤاخذة على المعتدين الذين يظلمون الناسَ ويتكبرون في الأرض ويفسِدون فيها بغير الحق {أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ثم كرر الحث والترغيب في الصبر والعفو فقال: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور}.
هنا أكد الترغيبَ في الصبر وضبط النفس. وأفضلُ انواع الصبر تحمّل الأذى في سبيل إحقاق الحق وإعلائه، وافضلُ انواع العفو ما كان سبباً للقضاء على الفتن والفساد.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: {والذين يجتنبون كبير الإثم}. والباقون: {كبائر الاثم}.


استجيبوا لربكم: أجيبوه. لا مردّ له: لا يردّه احد بعد ما قضى الله به. ملجأ: مكان تلجأون اليه. وما لكم من نكير: ما لكم من إنكار لما فعلتموه، لا تستطيعون ان تنكروه. حفيظا: رقيبا، محاسباً لاعمالكم. رحمة: نعمة من صحة وغنى. سيئة: بلاء. عقيما: لا يولد له.
ومن ضلّ طريق الهدى، وخَذَلَه اللهُ لسوءِ استعداده فليس له ناصرٌ من الله، وترى الظالمين يوم القيامة حين يشاهدون العذاب، يسألون ربهم ان يُرجعهم إلى الدنيا ليعملوا غير ما كانوا يعملون، ولكن هيهات، لا سبيل إلى العودة.
ثم بين الله حالهم السيئة حين يُعرضون على النار أذلاءَ يسارِقون النظر إلى النار جوفاً منها.
عندئذ يقول المؤمنون: حقًا إن الخاسرين هم الذين ظلموا أنفسَهم بالكفر، وخسروا أزواجهم وأولادهم وأقاربهم، وفُرِّق بينهم وبين أحبابهم وحُرموا النعيم إلى الأبد، وصدق الله العظيم حين يقول: {أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ}.
وما كان لهم من ينصرهم من الذين عبدوهم من دون الله، {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ}، أي ليس له أيّ طريقٍ ينجيه من سوء المصير المحتوم، جزاء ضلاله.
ثم يحذّر الله الناس طالباً إليهم ان يسارعوا إلى إجابة ما دعاهم اليه الرسول الكريم، من قبل ان تنتهي الحياة وتنتهي فرصة العمل، ويأتي يوم الحساب الذي {لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} ويومئذ لا ملجأ ولا ملاذ لهم من العذاب، ولا يستطيعون انكار ما اجترموه من السيئات. فإن أعرضَ المشركون عن إجابتك أيها الرسول فلا تحزنْ، فلست عليهم رقيبا فيما يفعلون.
{إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ}
إن وظيفتك ان تبلّغ، فاذا انت بلّغت فقد أديتَ الأمانة. {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [البقرة: 272].
ثم بين الله تعالى طبيعةَ الإنسان وغريزته في هذه الحياة وضعفه فقال: {وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ}
هذه هي طبيعة الانسان: إذا أغنيناه وأعطيناه سعةً من الرزق فرح وبطر، وان أصابته فاقةٌ أو مرض {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من معاصٍ ومخالفات- يئس وقنط، إن الإنسان يكفر النعمة ويجحدها.
ثم يبين الله انه خالقُ هذا الكون، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويهب لمن يشاء الإناث من الذرية، ويمنح من يشاء الذكور دون الاناث. ويتفضل سبحانه على من يشاء بالجمع بين الذكور والاناث، {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} لا ولد له، {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} عليم بكل شيء، قدير على فعل كل ما يريد.


وحيا: كلاماً خفيا. من وراء حجاب: يُسمع ولا يُرى. روحاً من أمرنا: إن هذا القرآن روحٌ تحيا به القلوب، وتتغذى به الأنفس. نوراً نهدي به: الناسَ إلى الصراط المستقيم.
بعد أن بين تعالى النعم الحسيّة التي يعيش بها الناس، بيّن هنا النعمَ الروحية التي تحيا بها القلوب، وتعمرُ الأنفس، وبيّن أن الناس محجوبون عن ربّهم، لأنهم في عالم المادة وهو منزَّهٌ عنها، ولكن من رقَّ حجابُه، وخَلَصَت نفسُه من شوائب المادة، فانه يستطيع ان يتصل بالملأ الأعلى، وان يسمع كلام ربّه بأحد الأوجه الآتية:
1- ان يحسّ بمعان تُلقى في قلبه، أو يرى رؤيا صادقة كرؤيا الخليل إبراهيم بانه يذبح ولده... ورؤيا الأنبياء وحي.
2- ان يسمع كلاماً من وراء حجاب كما سمع موسى عليه السلام من غير ان يبصر من يكلّمه، فقد سمع كلاما ولم ير المتكلم.
3- ان يرسل الله مَلَكا فيوحي إلى النبيّ ما كلّف به.
ثم ذكر الله تعالى انه كما أوحى إلى الانبياء قبل محمد فقد اوحى اليه القرآن الكريم، وما كان محمد قبل ذلك يعلم ما هو القرآن وما الشرائع التي بها هدايةُ البشر وصلاحُهم في الدارَين. ثم خاطبه بهذه العبارة اللطيفة، {وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
ثم فسّر ذلك الصراطَ بقوله تعالى: {صِرَاطِ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} خلقاً وتدبيراً وتصرفا. وفي الختام كل شيء ينتهي اليه، ويلتقي عنده، وهو يقضي فيها بأمره {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور}.
وهكذا تنتهي هذه السورة الكريمة بالحديث الذي بدأت به عن الوحي، والذي كان محورها الرئيسي، وقد عالجت قصةَ الوحي منذ النبوّات الأولى، لتقرر وحدة الدين ووحدة الطريق، ولتعلن القيادةَ الجديدة للبشريّة ممثلة برسالة سيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يتبعه من المؤمنين الصادقين، ليقودوا الناس إلى صراط الله المستقيم.

1 | 2 | 3